بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الأعشى يمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الأعشى يمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم
الأعشى يمدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يعد الأعشى من شعراء الجاهلية المبرّزين، وقد عرف أنه كان يتكسب بالشعر يمدح به سادات العرب، كما تقول الروايات: إنه جاب الجزيرة العربية ونزل على ساداتها من أشراف العرب مادحًا لهم، نائلاً من عطائهم.
ولما ظهرت دعوة الإسلام وهاجر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة، يذكر الرواة أن الأعشى خرج قاصدًا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليمدحه على ما جرى من عادته مع أشراف العرب، وكان - على ما يبدو - قد أعد قصيدة في مدحه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلقيه أبو سفيان بن حرب، وثناه عن الوصول إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال لأهل مكة: اتقوا لسان الأعشى؛ فإنه ذاهب يمدح محمدًا، فجمعت له قريش مائة من الإبل عطاء له؛ على أن يرجع عن الوصول إلى المدينة، كما أخبروه أن محمدًا يحرِّم الخمر، فقال: أتروَّى منها سنة ثم أعود.
ورجع الأعشى، فمات في نفس العام، ورويت هذه القصيدة عنه.
ولقد شكك فريق من النقاد في نسبة هذه القصيدة إلى الأعشى، ولكن فريقًا آخر من النقاد يصحح نسبتها إليه، وهو ما نميل إليه.
وقبل أن نتناول القصيدة بالعرض والتحليل، نعرضها كاملة بين يدي القارئ.
القصيدة:
(1) مدخل
حال الأعشى مع الدَّهر
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا
وَبِتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدَا
وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا
تَنَاسَيْتَ قَبْلَ اليَوْمِ خُلَّةَ مَهْدَدَا
وَلَكِنْ أَرَى الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ خَائِنٌ
إِذَا أَصْلَحَتْ كَفَّاي عَادَ فَأَفْسَدَا
شَبَابٌ وَشَيْبٌ وَافْتِقَارٌ وَثَرْوَةٌ
فَلِلَّهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْفَ تَرَدَّدَا
وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ
وَلِيدًا وَكَهْلاً حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدَا
وَأَبْتَذِلُ العِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَغْتَلِي
مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النُّجَيْرِ فَصَرْخَدَا
أَلاَ أَيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ
فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ
حَفِيٍّ عَنِ الأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
(2) وصف الناقة
فَأَمَّا إِذَا مَا أَدْلَجَتْ فَتَرَى لَهَا
رَقِيبَيْنِ: جَدْيًا لاَ يَغِيبُ وَفَرْقَدَا
وَفِيهَا إِذَا مَا هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ
إِذَا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصْيَدَا
أَجْدَّتْ بِرِجْلَيْهَا النَّجَاءَ وَرَاجَعَتْ
يَدَاهَا خِنَافًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
فَآلَيْتُ لاَ أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلاَلَةٍ
وَلاَ مِنْ حَفًى حَتَّى تَزُورَ مُحَمَّدَا
(3) مدح وبيانٌ لخطوط الرسالة والتشريع
مَتَى مَا تُنِيخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ
تُرِيحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
نَبِيٌّ يَرَى مَا لاَ يَرَوْنَ وَذِكْرُهُ
أَغَارَ لَعَمْرِي فِي البِلاَدِ وَأَنْجَدَا
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تَغِيبُ وَنَائِلٌ
وَلَيْسَ عَطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ
نَبِيِّ الإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى
وَلاَقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لاَ تَكُونَ كَمِثْلِهِ
فَتُرْصِدَ لِلمَوْتِ الَّذِي كَانَ أَرْصَدَا
فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لاَ تَقْرَبَنَّهَا
وَلاَ تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا
وَلاَ النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لاَ تَنْسُكَنَّهُ
وَلاَ تَعْبُدِ الأَوْثَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا
وَذَا الرَّحِمِ القُرْبَى فَلاَ تَقْطَعَنَّهُ
لِعَاقِبَةٍ وَلاَ الأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا
وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ وَالضُّحَى
وَلاَ تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاحْمَدَا
وَلاَ السَّائِلَ الْمَحْرُومَ لا تَتْرُكَنَّهُ
لِعَاقِبَةٍ وَلاَ الأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا
وَلاَ تَسْخَرَنْ مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلمَرْءِ مُخْلِدَا
وَلا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا
عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا
(2)
هو ميمونُ بن قيسٍ، وُلِد في قرية (منفوحة) من اليمامة، في قومه بني قيسِ بن ثعلبة، وهم بطنٌ من بطون بكرِ بن وائل بن ربيعة، عُرِفوا بالفصاحة، فنشأ الأعشى على سنَنِ فصاحتهم، وقد لُقِّب بالأعشى؛ لأنَّه كان أعشى العينَيْن، وكُنِي بأبي بصير؛ تفاؤلاً له بشفاء بصَرِه، وقيل: بل كُنِي بذلك؛ لنفاذ بصيرته، ولقد أُطلق عليه لقب "صناجة العرب"؛ حيث كان يتغنَّى بشِعْره، ولِما كان لشعره من حسٍّ موسيقي ونغمٍ مرهف تميَّز به على شعراء الجاهليَّة.
وكان الأعشى في أوَّل أمرِه راوِيةً لِخاله المسيَّب بن علس أحد شعراء بكرٍ المقدَّمين، ولَما توثَّقت شاعريَّتُه شرع يَطوف في البلاد بين العراق والشام، يمدح المَناذِرَة والغساسنة وأُمراء العرب؛ طلبًا للنَّوال والعطاء، وقد قيل: إنَّه زار بلاد الفرس وأرْضَ النَّبط، ونجران، وبلاد حِمْير، على أنَّ هناك رواياتٍ بالغَتْ فذكَرَت أنَّه وصل في رحلاته إلى الحبشة.
ولقد كانت هذه الرحلات عاملاً من عوامل توسيع أفُقِه الشِّعري وإمداده بثقافة تاريخيَّة، فأورد في شعره بعضَ أخبار قبائل العرب البائدة، وملوك فارس؛ يقول الأعشى:
وَقَدْ طُفْتُ لِلمَالِ آفَاقَهُ
عُمَانَ فَحِمْصَ فَأُورَى شَلَمْ
أَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ فِي أَرْضِهِ
وَأَرْضَ النَّبِيطِ وَأَرْضَ العَجَمْ
فَنَجْرَانَ فَالسَّرْوَ مِنْ حِمْيَرٍ
فَأَيَّ مَرَامٍ لَهُ لَمْ أَرُمْ
يقول عنه الدكتور شوقي ضيف: "والأعشى في شعره لا يَعيش لمديح السَّادة والأشراف، وأخْذِ نوالهم فحَسْب؛ بل هو يعيش أيضًا لقبيلته ومُنازعاتها الكبيرة مع بكرٍ ضدَّ الفرس؛ ففي ديوانه مطوَّلةٌ يهدِّدهم فيها، ويتوعَّدهم كما يتوعَّد مَن يقف معهم من العرب مثل إياد، وهو يعيش كذلك في مُنازعات قبيلته مع بني شيبان، فيتعرَّض بالوعيد والتهديد ليزيدَ بنِ مسهرٍ الشيباني، على نحو ما تصوِّر ذلك معلَّقتُه، فإذا حدثَتْ مُنازعات صُغرى بين عشيرته وأبناء عمومتِهم من عشائرِ قيس بن ثعلبة ناصرها، ذاكرًا ما بينهم وبينها من أواصر الرَّحم، على نحو ما نرى في قصائده التي وجَّهها إلى بني جَحْدر وبني عبدان، وقد اصطدم عند الأخيرين بشاعرهم جُهُنَّام، فتهاجيا طويلاً"[1].
ويواصل الدكتور شوقي ضيف حديثَه عن الأعشى، فيقول: "ويُقال: إنَّه لما سمع بالرَّسول - صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم - وانتصاراته وانتشارِ دعوته، رغب في الوفود عليه ومديحه، وعلمَتْ قريشٌ بذلك فتعرَّضت له تَمْنعُه، وكان مما قاله له أبو سفيان بنُ حرب: إنَّه يَنْهاك عن خِلالٍ ويُحرِّمها عليك، وكلها بك رافِق، ولك مُوافق، قال: وما هنَّ؟ فقال أبو سفيان: الزِّنا والقمار والرِّبا والخمر؛ فعدَل عن وِجهتِه، وأهدَتْه قريشٌ مائةً من الإبل، فأخذها، وانطلق إلى بلده معرِضًا عن الرسول ودعوته؛ فلما كان بقاع منفوحة، رمى به بعيره، فقتله سنة 629 للميلاد"[2].
لقد اشتَهَر الأعشى شهرةً عظيمة، وكان لشعره تأثيرٌ عظيم، حتَّى لقد عدَّه ابن سلاَّمٍ الجُمَحيُّ في الطَّبقة الأولى من الطبقات العَشر لِفُحول الشُّعراء بعد امرئ القيس والنَّابغة وزُهَير، كما أنَّ للنُّقاد القدامى أقوالاً فيه، تدلُّ على عظيم منزلتِه الشِّعرية لديهم، ويُكْثِر الأعشى من وصف الصحراء، ووصف النَّاقة، وهذا طبيعيٌّ؛ لكثرة رحلاته وأسفاره، وهو في الموضوع يَجْري على عادة الجاهليِّين؛ فيُصوِّر الأودية وما يجري فيها من ظلامٍ، أو سموم، أو مياه أمطار، كما يصوِّر طرقها الوعثة، ورمالَها ومَناهلها، ووحشتها، وعزيف الجن ليلاً بها، يقول في معلقته:
وَبَلدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ
لِلجِنِّ بِاللَّيْلِ فِي حَافَاتِهَا زَجَلُ
لاَ يَتَنَمَّى لَهَا بِالقَيْظِ يَرْكَبُهَا
إِلاَّ الَّذِينَ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْا مَهَلُ
جَاوَزْتُهَا بِطَلِيحٍ جَسْرَةٍ سُرُحٍ
فِي مِرْفَقَيْهَا إِذَا اسْتَعْرَضْتَهَا فَتَلُ
وفي قصيدة أخرى يصور فلاة مقفرة، فيقول:
وَفَلاةٍ كَأَنَّهَا ظَهْرُ تُرْسٍ
لَيْسَ إِلاَّ الرَّجِيعَ فِيهِا عَلاَقُ
قَدْ تَجَاوَزْتُهَا وَتَحْتِي مَرُوحٌ
عَنْتَريسٌ نَعَّابَةٌ مِعْنَاقُ
عِرْمِسٌ تَرْجُمُ الإِكَامَ بِأَخْفَا
فٍ صِلاَبٍ مِنْهَا الْحَصَى أَفْلاقُ
ولقد أجاد كذلك في وصف الخَمْر، بل هي موضوعُه الذي تميَّز به حتَّى قيل: إنه أشعَرُ الطَّبقة الأولى إذا طرب، يقول الأعشى:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ
وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنِّي امْرُؤٌ
أَتَيْتُ الْمَعِيشَةَ مِنْ بَابِهَا
ولكم بعد قراءتكم هذه استعراض لشرح مختصر في قصيدة مدح الرسول _صلى الله عليه وسلّم.
يعد الأعشى من شعراء الجاهلية المبرّزين، وقد عرف أنه كان يتكسب بالشعر يمدح به سادات العرب، كما تقول الروايات: إنه جاب الجزيرة العربية ونزل على ساداتها من أشراف العرب مادحًا لهم، نائلاً من عطائهم.
ولما ظهرت دعوة الإسلام وهاجر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى المدينة، يذكر الرواة أن الأعشى خرج قاصدًا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليمدحه على ما جرى من عادته مع أشراف العرب، وكان - على ما يبدو - قد أعد قصيدة في مدحه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلقيه أبو سفيان بن حرب، وثناه عن الوصول إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال لأهل مكة: اتقوا لسان الأعشى؛ فإنه ذاهب يمدح محمدًا، فجمعت له قريش مائة من الإبل عطاء له؛ على أن يرجع عن الوصول إلى المدينة، كما أخبروه أن محمدًا يحرِّم الخمر، فقال: أتروَّى منها سنة ثم أعود.
ورجع الأعشى، فمات في نفس العام، ورويت هذه القصيدة عنه.
ولقد شكك فريق من النقاد في نسبة هذه القصيدة إلى الأعشى، ولكن فريقًا آخر من النقاد يصحح نسبتها إليه، وهو ما نميل إليه.
وقبل أن نتناول القصيدة بالعرض والتحليل، نعرضها كاملة بين يدي القارئ.
القصيدة:
(1) مدخل
حال الأعشى مع الدَّهر
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا
وَبِتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدَا
وَمَا ذَاكَ مِنْ عِشْقِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا
تَنَاسَيْتَ قَبْلَ اليَوْمِ خُلَّةَ مَهْدَدَا
وَلَكِنْ أَرَى الدَّهْرَ الَّذِي هُوَ خَائِنٌ
إِذَا أَصْلَحَتْ كَفَّاي عَادَ فَأَفْسَدَا
شَبَابٌ وَشَيْبٌ وَافْتِقَارٌ وَثَرْوَةٌ
فَلِلَّهِ هَذَا الدَّهْرُ كَيْفَ تَرَدَّدَا
وَمَا زِلْتُ أَبْغِي الْمَالَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ
وَلِيدًا وَكَهْلاً حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدَا
وَأَبْتَذِلُ العِيسَ الْمَرَاقِيلَ تَغْتَلِي
مَسَافَةَ مَا بَيْنَ النُّجَيْرِ فَصَرْخَدَا
أَلاَ أَيُّهَذَا السَّائِلِي أَيْنَ يَمَّمَتْ
فَإِنَّ لَهَا فِي أَهْلِ يَثْرِبَ مَوْعِدَا
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ
حَفِيٍّ عَنِ الأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
(2) وصف الناقة
فَأَمَّا إِذَا مَا أَدْلَجَتْ فَتَرَى لَهَا
رَقِيبَيْنِ: جَدْيًا لاَ يَغِيبُ وَفَرْقَدَا
وَفِيهَا إِذَا مَا هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ
إِذَا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصْيَدَا
أَجْدَّتْ بِرِجْلَيْهَا النَّجَاءَ وَرَاجَعَتْ
يَدَاهَا خِنَافًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا
فَآلَيْتُ لاَ أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلاَلَةٍ
وَلاَ مِنْ حَفًى حَتَّى تَزُورَ مُحَمَّدَا
(3) مدح وبيانٌ لخطوط الرسالة والتشريع
مَتَى مَا تُنِيخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ
تُرِيحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى
نَبِيٌّ يَرَى مَا لاَ يَرَوْنَ وَذِكْرُهُ
أَغَارَ لَعَمْرِي فِي البِلاَدِ وَأَنْجَدَا
لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تَغِيبُ وَنَائِلٌ
وَلَيْسَ عَطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا
أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ
نَبِيِّ الإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى
وَلاَقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لاَ تَكُونَ كَمِثْلِهِ
فَتُرْصِدَ لِلمَوْتِ الَّذِي كَانَ أَرْصَدَا
فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لاَ تَقْرَبَنَّهَا
وَلاَ تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا
وَلاَ النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لاَ تَنْسُكَنَّهُ
وَلاَ تَعْبُدِ الأَوْثَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا
وَذَا الرَّحِمِ القُرْبَى فَلاَ تَقْطَعَنَّهُ
لِعَاقِبَةٍ وَلاَ الأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا
وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ وَالضُّحَى
وَلاَ تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاحْمَدَا
وَلاَ السَّائِلَ الْمَحْرُومَ لا تَتْرُكَنَّهُ
لِعَاقِبَةٍ وَلاَ الأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا
وَلاَ تَسْخَرَنْ مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلمَرْءِ مُخْلِدَا
وَلا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا
عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا
(2)
هو ميمونُ بن قيسٍ، وُلِد في قرية (منفوحة) من اليمامة، في قومه بني قيسِ بن ثعلبة، وهم بطنٌ من بطون بكرِ بن وائل بن ربيعة، عُرِفوا بالفصاحة، فنشأ الأعشى على سنَنِ فصاحتهم، وقد لُقِّب بالأعشى؛ لأنَّه كان أعشى العينَيْن، وكُنِي بأبي بصير؛ تفاؤلاً له بشفاء بصَرِه، وقيل: بل كُنِي بذلك؛ لنفاذ بصيرته، ولقد أُطلق عليه لقب "صناجة العرب"؛ حيث كان يتغنَّى بشِعْره، ولِما كان لشعره من حسٍّ موسيقي ونغمٍ مرهف تميَّز به على شعراء الجاهليَّة.
وكان الأعشى في أوَّل أمرِه راوِيةً لِخاله المسيَّب بن علس أحد شعراء بكرٍ المقدَّمين، ولَما توثَّقت شاعريَّتُه شرع يَطوف في البلاد بين العراق والشام، يمدح المَناذِرَة والغساسنة وأُمراء العرب؛ طلبًا للنَّوال والعطاء، وقد قيل: إنَّه زار بلاد الفرس وأرْضَ النَّبط، ونجران، وبلاد حِمْير، على أنَّ هناك رواياتٍ بالغَتْ فذكَرَت أنَّه وصل في رحلاته إلى الحبشة.
ولقد كانت هذه الرحلات عاملاً من عوامل توسيع أفُقِه الشِّعري وإمداده بثقافة تاريخيَّة، فأورد في شعره بعضَ أخبار قبائل العرب البائدة، وملوك فارس؛ يقول الأعشى:
وَقَدْ طُفْتُ لِلمَالِ آفَاقَهُ
عُمَانَ فَحِمْصَ فَأُورَى شَلَمْ
أَتَيْتُ النَّجَاشِيَّ فِي أَرْضِهِ
وَأَرْضَ النَّبِيطِ وَأَرْضَ العَجَمْ
فَنَجْرَانَ فَالسَّرْوَ مِنْ حِمْيَرٍ
فَأَيَّ مَرَامٍ لَهُ لَمْ أَرُمْ
يقول عنه الدكتور شوقي ضيف: "والأعشى في شعره لا يَعيش لمديح السَّادة والأشراف، وأخْذِ نوالهم فحَسْب؛ بل هو يعيش أيضًا لقبيلته ومُنازعاتها الكبيرة مع بكرٍ ضدَّ الفرس؛ ففي ديوانه مطوَّلةٌ يهدِّدهم فيها، ويتوعَّدهم كما يتوعَّد مَن يقف معهم من العرب مثل إياد، وهو يعيش كذلك في مُنازعات قبيلته مع بني شيبان، فيتعرَّض بالوعيد والتهديد ليزيدَ بنِ مسهرٍ الشيباني، على نحو ما تصوِّر ذلك معلَّقتُه، فإذا حدثَتْ مُنازعات صُغرى بين عشيرته وأبناء عمومتِهم من عشائرِ قيس بن ثعلبة ناصرها، ذاكرًا ما بينهم وبينها من أواصر الرَّحم، على نحو ما نرى في قصائده التي وجَّهها إلى بني جَحْدر وبني عبدان، وقد اصطدم عند الأخيرين بشاعرهم جُهُنَّام، فتهاجيا طويلاً"[1].
ويواصل الدكتور شوقي ضيف حديثَه عن الأعشى، فيقول: "ويُقال: إنَّه لما سمع بالرَّسول - صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم - وانتصاراته وانتشارِ دعوته، رغب في الوفود عليه ومديحه، وعلمَتْ قريشٌ بذلك فتعرَّضت له تَمْنعُه، وكان مما قاله له أبو سفيان بنُ حرب: إنَّه يَنْهاك عن خِلالٍ ويُحرِّمها عليك، وكلها بك رافِق، ولك مُوافق، قال: وما هنَّ؟ فقال أبو سفيان: الزِّنا والقمار والرِّبا والخمر؛ فعدَل عن وِجهتِه، وأهدَتْه قريشٌ مائةً من الإبل، فأخذها، وانطلق إلى بلده معرِضًا عن الرسول ودعوته؛ فلما كان بقاع منفوحة، رمى به بعيره، فقتله سنة 629 للميلاد"[2].
لقد اشتَهَر الأعشى شهرةً عظيمة، وكان لشعره تأثيرٌ عظيم، حتَّى لقد عدَّه ابن سلاَّمٍ الجُمَحيُّ في الطَّبقة الأولى من الطبقات العَشر لِفُحول الشُّعراء بعد امرئ القيس والنَّابغة وزُهَير، كما أنَّ للنُّقاد القدامى أقوالاً فيه، تدلُّ على عظيم منزلتِه الشِّعرية لديهم، ويُكْثِر الأعشى من وصف الصحراء، ووصف النَّاقة، وهذا طبيعيٌّ؛ لكثرة رحلاته وأسفاره، وهو في الموضوع يَجْري على عادة الجاهليِّين؛ فيُصوِّر الأودية وما يجري فيها من ظلامٍ، أو سموم، أو مياه أمطار، كما يصوِّر طرقها الوعثة، ورمالَها ومَناهلها، ووحشتها، وعزيف الجن ليلاً بها، يقول في معلقته:
وَبَلدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ
لِلجِنِّ بِاللَّيْلِ فِي حَافَاتِهَا زَجَلُ
لاَ يَتَنَمَّى لَهَا بِالقَيْظِ يَرْكَبُهَا
إِلاَّ الَّذِينَ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْا مَهَلُ
جَاوَزْتُهَا بِطَلِيحٍ جَسْرَةٍ سُرُحٍ
فِي مِرْفَقَيْهَا إِذَا اسْتَعْرَضْتَهَا فَتَلُ
وفي قصيدة أخرى يصور فلاة مقفرة، فيقول:
وَفَلاةٍ كَأَنَّهَا ظَهْرُ تُرْسٍ
لَيْسَ إِلاَّ الرَّجِيعَ فِيهِا عَلاَقُ
قَدْ تَجَاوَزْتُهَا وَتَحْتِي مَرُوحٌ
عَنْتَريسٌ نَعَّابَةٌ مِعْنَاقُ
عِرْمِسٌ تَرْجُمُ الإِكَامَ بِأَخْفَا
فٍ صِلاَبٍ مِنْهَا الْحَصَى أَفْلاقُ
ولقد أجاد كذلك في وصف الخَمْر، بل هي موضوعُه الذي تميَّز به حتَّى قيل: إنه أشعَرُ الطَّبقة الأولى إذا طرب، يقول الأعشى:
وَكَأْسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ
وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنِّي امْرُؤٌ
أَتَيْتُ الْمَعِيشَةَ مِنْ بَابِهَا
ولكم بعد قراءتكم هذه استعراض لشرح مختصر في قصيدة مدح الرسول _صلى الله عليه وسلّم.
هدى- المساهمات : 43
تاريخ التسجيل : 12/01/2012
رد: الأعشى يمدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم
بارك الله بك هدى موضوع جميل ومميز وجديد بالنسبة لي
سلمتي يا غالية وسلمت يمناك التي نقلت
الى المزيد
سلمتي يا غالية وسلمت يمناك التي نقلت
الى المزيد
اسيل- المساهمات : 122
تاريخ التسجيل : 09/01/2012
العمر : 58
الموقع : قطر-دوحة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة أبريل 06, 2012 5:14 am من طرف هدى
» طريقة تغنيك عن الفورمات
السبت مارس 31, 2012 2:35 am من طرف هدى
» من يعطي هو الرابح دوما
السبت مارس 31, 2012 2:32 am من طرف هدى
» الصداقة وحب الدات
السبت مارس 31, 2012 1:56 am من طرف هدى
» من يوميات تلميذ راسب.....نزار قباني
الجمعة مارس 30, 2012 4:52 pm من طرف عبير اليمن
» من اجمل ما قرأت
الجمعة مارس 30, 2012 4:52 pm من طرف عبير اليمن
» موسى الغول
الجمعة مارس 30, 2012 4:47 pm من طرف عبير اليمن
» من الله وبالله واليه
الجمعة مارس 30, 2012 4:38 pm من طرف ابو محمد
» عدم المشاركه واضح ..... لماذا ؟؟؟؟
الجمعة مارس 30, 2012 3:53 am من طرف هدى